سورة النحل - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


الآية الأولى:
{وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)}.
{وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً}: هو ما يسكر من الخمر.
{وَرِزْقاً حَسَناً}: هو جميع ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالتمر والزبيب والخل، وكان نزول هذه الآية قبل تحريم الخمر.
وقيل: إن السّكر: الخل بلغة الحبشة.
والرزق الحسن: الطعام من الشجرتين.
وقيل: السّكر العصير الحلو الحلال. وسمي سكرا لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي، فإذا بلغ الإسكار حرم. والقول الأول أولى، وعليه الجمهور.
وقد صرّح أهل اللغة بأن السّكر اسم للخمر ولم يخالف في ذلك إلا أبو عبيدة فإنه قال: السّكر الطعم. ومما يدل على ما قاله الجمهور قول الشاعر:
بئس الصّحاة وبئس الشّرب شربهم *** إذا جرى فيهم المزّاء والسّكر
ومما يدل على ما قاله أبو عبيدة ما أنشده:
جعلت عيب الأكرمين سكرا ***
أي جعلت ذمهم طعما.
ورجح هذا ابن جرير فقال: إن السّكر ما يطعم من الطعام، ويحب شربه من ثمار النخيل والأعناب، وهو الرزق الحسن، واللفظ مختلف والمعنى واحد، مثل: {إنما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86].
قال الزجاج: قول أبي عبيدة هذا لا يعرف، وأهل التفسير على خلافه، ولا حجة له في البيت الذي أنشده، لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس.
وقد حمل السّكر جماعة من الحنفية على ما يسكر من الأنبذة وعلى ما ذهب ثلثاه بالطبخ. قالوا: وإنما يمتن اللّه على عباده بما أحله لهم لا بما حرمه عليهم، وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة المتواترة على فرض تأخره عن آية تحريم الخمر.


الآية الثانية:
{وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (94)}.
{وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ}: وهي أيمان البيعة.
قال الواحدي: قال المفسرون: وهذا في نهي الذين بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين، واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها}: من المبالغة، وبما في قوله: {وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (94)} لأنهم إذا نقضوا العهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم صدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام، وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، هي سبب نزول هذه الآية، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقال جماعة من المفسرين: إن هذا تكرير لما قبله لقصد التأكيد والتقرير، أعني قوله: {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها} [النحل: 91] إلى قوله: {تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ} [النحل: 92] الآية.
والمراد بالتوكيد التشديد والتغليظ والتوثيق، وليس المراد اختصاص النهي عن النقض بالإيمان المؤكدة، ولا يغيرها مما لا تأكيد فيه، فإن تحريم النقض يتناول الجميع، ولكن في نقض اليمين المؤكدة من الإثم فوق الإثم الذي في نقض ما لم يؤكد منها، وهذا العموم مخصوص بما ثبت في الأحاديث الصحيحة من قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه»، حتى بالغ في ذلك فقال: «واللّه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها، إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني»، وهذه الألفاظ ثابتة في الصحيح وغيره.
ويخص أيضا من هذا العموم يمين اللغو لقوله تعالى: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ} [البقرة: 225] ويمكن أن يكون التقييد بالتوكيد هاهنا لإخراج أيمان اللغو، وقد تقدم بسط الكلام على الإيمان في البقرة.
وقيل: توكيد اليمين هو حلف الإنسان على الشيء الواحد مرارا.
وحكى القرطبي عن ابن عمر: أنّ التوكيد هو أن يحلف مرتين فإن حلف واحدة فلا كفارة عليه.
قال أبو عبيدة: كل أمر لم يكن صحيحا فهو دخل.
وقيل: الدخل ما أدخل في الشيء على فساده.
وقال الزجاج: غشا.


الآية الثالثة:
{فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98)}.
{فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ}: الفاء لترتيب الاستعاذة على العمل الصالح.
وقيل: هذه الآية متصلة بقوله: {وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ}، والتقدير فإذا أخذت في قراءته {فَاسْتَعِذْ}.
قال الزجاج وغيره من أئمة اللغة: معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ وليس معناه استعذ بعد أن تقرأ القرآن. ومثله: إذا أكلت فقل: بسم اللّه.
قال الواحدي: وهذا إجماع الفقهاء أن الاستعاذة قبل القراءة إلا ما روي عن أبي هريرة وابن سيرين وداود ومالك وحمزة من القراء فإنهم قالوا: الاستعاذة بعد القراءة، وقد ذهبوا إلى ظاهر الآية.
ومعنى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} اسأله سبحانه أن يعيذك.
{مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98)}: أي من وساوسه، وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها للتنبيه على أنها كسائر الأعمال الصالحة عند إرادتها لهم لأنه إذا وقع الأمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كانت عند إرادة غيرها أوفى، كذا قيل.
وكذا توجيه الخطاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للإشعار بأن غيره أولى منه بفعل الاستعاذة، لأنه إذا أمر بها لدفع وساوس الشيطان- مع عصمته- فكيف بسائر أمته.
وقد ذهب الجمهور إلى أن الأمر في الآية للندب، وروي عن عطاء الوجوب أخذا بظاهر الأمر.

1 | 2 | 3